جوز كناري (من حكايات بابا كريم)

جوز كناري

 

المقدمة:

كريم "فيروزه.. حبيبة بابي.. ايه رأيك بقى أحكيلك حدوتة قبل النوم ؟"

فيروز " آآآ شكراً يا بابا مش عايزه ستوري و مش عايزه انام"

كريم "لأ هو احنا كده كده ميعاد نومنا جه ، بس ايه حكاية مش عايزه ستوري دي.. من امتى يعني ؟"

فيروز " انت مش فاكر آخر مره حكيتلي ستوري ايه اللي حصل ؟"

كريم "لأ مش فاكر ايه اللي حصل يا فيلسوفة عصرك"

فيروز "القصة بتاعة #سيد_ناموسه .. مكنتش ستوري صغيرين خالص يا بابا ، محبتهاش"

كريم " صغيرين ! طب ما انا حكيتلك قصة ناموسه اهه.. هجيب أًصغر من كده ايه ؟"

فيروز "يا بابا .. يا حبيبي .. مش قصدي حجم بطل القصه .. انا قصدي اني مفهمتش منها حاجه . عايزه حكايات صغيرين .. الأمير اللي بينقذ الأميره .. الولد اللي مكنش بيحب ياكل مكرونه. . حاجات زي دي يعني ولا أقولك.. متحكيش خالص.. انا هنام من غير ستوري النهارده"

كريم "طب ما انتي الحكايات التانيه دي كلها عارفاها وانا كنت عايزأحكيلك قصه متكونيش سمعتيها قبل كده"

فيروز " لو زي سيد ناموسه . يبقى لأ مش عايزه شكراً"

كريم "عموماً هي قصة عصافير جميله و اسمها (جوز كناري)

فيروز "يعني ايه ؟"

كريم " الكناري نوع من أنواع الطيور"

فيروز "طب شكلها ممكن تبقى حلوه ، احكي "

كريم "لأ بكره بقى.. اصل النهارده مفيش ستوري مش ده كلامك "

***

الحلقة الأولى:

فيروز"بابا.. انا مش ناسيه.. يلا علشان تحكيلي قصة جوز كنتاكي"

كريم " كنتاكي ايه بس يا فيروز ؟! انتي جعانه ؟ اسمها جوز كناري.. نوع من انواع الطيور"

فيروز "طب احكيلي قصة كناري يا بابا"

كريم "اسمعي يا سيتي .. كان ياما كان .. يا ساده يا كرام"

فيروز " سعد و إكرام"

كريم "وسعد و إكرام.. لا يحلى الكلام إلا بالصلاه على سيدنا النبي"

كريم وفيروز"عليه الصلاة و السلام"

كريم " كان فيه عصفور و عصفوره متجوزين و ربنا رزقهم بعصفوره بيبي كانت جميله أوي اسمها (كناري)"

فيروز "انت مش لسه قايل ان ده نوع عصافير مش اسم ؟"

كريم "ايوه.. نوع من العصافير اللي شكلها جميل أوي و علشان كده لما عصفوره عاديه كان شكلها جميل أوي سموها كناري"

فيروز "يعني هي عصفوره عاديه ولا كناري"

كريم "عصفوره عاديه بس اسمها كناري... و كانت من صغرها شايفه نفسها جميله جداً و بتحب نفسها و شايفه ان هي مش محتاجه لأي حد في الدنيا يساعدها في أي حاجه وان هي تعرف تعمل كل حاجه لوحدها ، ولا حتى محتاجه مساعدة باباها و مامتها"

فيروز "هي مش دي حاجه كويسه يا بابا ؟"

كريم "حاجه كويسه طبعاً يا حبيبة بابا ، بس لما تتعلم من باباها أو مامتها ازاي تعمل الحاجات دي لوحدها ، علشان تستفيد من خبرتهم في الحياه ، انما كناري مكنتش عايزه تسمع كلام اي حد ولا حتى هم.. خصوصاً لما بقى عندها 21 يوم لما كانوا كلهم طايرين في السرب...."

_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_

"كناري .. قلتلك متبعديش عن مامتك واحنا طايرين"

قالها والدها بحزم فردت عليه "يابابا هيجرالي ايه يعني ؟ انا مبقتش صغيره خلاص ، انتوا علمتوني ازاي أطير علشان أعيش بحريه بقى و أطير زي ما أنا عايزه في المكان اللي انا عايزاه"

التفتت والدتها اليها وقالت "كناري.. ازاي تكلمي باباكي بالشكل ده ؟! اتفضلي اعتذريله و اسمعي الكلام ، خليكي طول الوقت جنبي "

-"يا ماما احنا كده كده كلنا طايرين جوه نفس السرب مش هيحصل حاجه"

تدخل والدها "حتى لو كلنا جوه نفس السرب فده علشان في اتحادنا قوه"

-"بالظبط كده . عمري ما هكون مميزه في أي حاجه لو سمعت كلامكم ، هعيش حياتي كلها كده مش بشغل عقلي ، ماشيه جوه السرب و خلاص ، انا من حقي يبقى عندي شخصيتي المستقله ، انا مش مجرد عصفوره و خلاص ؟"

اعتلت ابتسامة سخرية وجه والد (كناري) وقال "امال انتي ايه يا كناري؟"

-"مش عارفه.. بس أكيد ليا دور في الدنيا غير اني اسمع كلامكم و أطير وسط السرب وخلاص"

-"كناري.. لما بنطير في مجموعات بنعمل كده علشان نحمي بعض ، ده أحسن حاجه علشان منتعرضش للخطر ، مش الغرض اننا نضايقك ، احنا بس عايزينك تستفيدي من خبرتنا في الحياه"

-"انتوا خايفين تحاولوا حتى تفكروا"

صاح الأب بعصبية "كناري .. انتهى الكلام في الموضوع ده ، وأول ما نوصل مش هتتحركي بره الشجره بتاعتك لحد ما تتعلمي ازاي تتكلمي مع باباكي ومامتك "

اعتلت نظرة غاضبة وجه (كناري) تحولت بعد ثوانٍ قليلة الى نظرة حزينة واستمرت في طيرانها في صمت.

أشار والد (كناري) لوالدتها فطارت تجاهه وانصتت له وهو يقول "يظهر اننا بالغنا شويه في الدلع مع كناري ، هي مش قادره تفهم الفرق بين ان يبقى عندها شخصية مستقلة وانها تعرف ان لسه ناقصها خبرات كتيره أوي في الحياه و اننا خايفين عليها و عايزينها أحسن عصفوره في الدنيا"

ردت والدتها "في رأيك المفروض نعمل معاها ايه ؟"

-"اتكلمي معاها يا حبيبتي بالراحه ، متسيبيهاش تفضل زعلانه ، ولما نوصل أكيد هتكلم معاها تاني و هفهمها غلطها ايه"

أومأت برأسها موافقة على كلامه ثم طارت مره أخرى لتعود لابنتها ولكنها عادت بعد عدة دقائق مسرعه للأب وقالت له "الحقني... مش لاقيه كناري في السرب كله" .

_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_

فيروز "وكناري كانت راحت فين يا بابا ؟"

كريم "يعني القصه عجباكي أهه ، علشان مترجعيش تقوليلي بعد كده انت مش بتعرف تحكي"

فيروز "أيوه خلاص يا سي بابا عجباني ، وبجد عايزه أعرف هي راحت فين "

كريم "بكره يا حبيبة بابا ، وقت النوم جه ، يبقى دلوقتي لازم ننام و نكمل بكره"

فيروز "بس يا بابا انا لسه مش عايزه أنام"

كريم "ده انا لسه بحكيلك قصه عن سماع الكلام ، كل الناس المفروض تسمع كلام باباها و مامتها.. جود نايت يا أحلى فيروزه في الدنيا"

فيروز "جود نايت يا بابي"

***

الحلقة الثانية:

كريم " فيروز .. انا مش قادر افتح عيني مش يلا بقى علشان ننام ؟"

فيروز " ايه ده مش هتحكيلي الأول ستوري زي كل مره بنام فيها جنبك؟!"

كريم " لأ ، النهارده بجد مش قادر خالص ، بابي لازم ينام"

فيروز "انا نمت امبارح من غير ما أعرف بقية القصه رغم اني مكنتش عايزه أنام لسه ، بس انت علمتني اني لازم أسمع الكلام.. بس برضه انت علمتني ان اللي بيوعد بحاجه لازم يوفي بيها ، وانت وعدتني اننا هنكملها النهارده"

كريم "طيب طيب... آه .. كناري... دور باباها و مامتها كويس عليها ولقوها في آخر السرب خالص و صالحوها وكله كان مبسوط... خلصت"

فيروز "بابا.. انا مستنيه بقية القصه من امبارح.. متعملش كده "

كريم "طيب طيب خلاص.. هو انتوا جيل حد يعرف يضحك عليه ، ده احنا كنا ملايكه ، المهم.. كنا وقفنا امبارح لما كناري هربت بعيد عن السرب...

_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_

اختبأت (كناري) في شجره بإحدى الجنائن داخل منطقة سكنية وراقبت السرب وهو يختفي بعيداً وقالت لنفسها " انا عارفه اني أقدر لوحدي ، أنا عصفوره قويه مستقله ، ومش محتاجه حتى لبابا و ماما علشان يقولولي أعمل ايه ومعملش ايه" ثم سكتت تفكر قليلاً ثم قالت لنفسها "بس هو انا المفروض دلوقتي أعمل ايه ؟!"

هي الآن حره تماماً من تعليمات أهلها ولكنها تشعر ان العالم صار واسعاً جداً فجأه ، احساس جديد بعدم الأمان ، بعد الكثير من التردد طارت بحذر لخارج الشجرة ثم استمعت لصوت غريب من خلفها جعلها تطير بقوه وسرعة و عشوائية ، ولم تجرؤ على النظر خلفها حتى اختفى الصوت تماماً فنظرت للخلف ببطء وتأكدت من عدم وجود أي شئ خلفها

*طااخ*

اصطدم رأس كناري بشيئاً أمامها بقوه جعلها في حالة عدم إتزان للحظات ثم رأت أمامها عصفوراً جميلاً أمامها ، هي التي لم تعجب بجمال أي طائر سوى نفسها ترى الآن عصفوراً لا تستطيع أن تنكر جمال شكله ، أغمضت عيناها قليلاً وهي تفكر ان الصدمه التي تعرضت لها ربما تكون هي السبب ولكنها رأته مجدداً عندما فتحت عيناها بحذر ، رأته محبوساً بشرفة احدى المنازل ، يمنعه الزجاج من السميك من الطيران بحرية للخارج ، نظرت اليه مرة أخرى فوجدته ينظر اليها ، بات أكيداً الآن انه رآها ـ اقتربت منه ورأته هو الآخر يقترب منها ، حاولت أن تلصق أذنها الصغيرة بالزجاج علها تسمع ما يقول و لكن سُمك الزجاج كان أكبر من أن ينقل صوت بسيط كصوت العصفور.

سرحت بخيالها و فكرت ... ماذا لو كانت هي سبيله الوحيد للحرية ، هي تفهم قيمة الحرية تماماً خاصة بعد أن هربت من الجميع سعياً لها ، ماذا لو استطاعت تحريره من سجنه ثم تزوجا وبنوا عشهم الخاص في احدى الأشجار الآمنة ، وربما ابتسمت لهم الحياة و صار لهم أطفال من العصافير يعلموهم سوياً كل شئ في الحياه..

أغمضت عيناها حتى تتحمل الألم التي تعلم انه على وشك الحدوث ثم نقرت الزجاج نقرات بسيطة في البداية ولكن سرعان ما ازدادت النقرات قوة و أصبحت مؤلمة لمنقارها الصغير..

فكرت سريعاً ... ماذا لو كان كل ما تبذله من مجهود بلا داعٍ ، ماذا لو بعد ان استطاعت تحطيم السجن الزجاجي وجدته لا يرغب في الهرب معها بعيداً ، ماذا لو لم يريد الخروج من سجنه على الإطلاق

فتحت عيناها ببطء فوجدته أمامها مباشرةً يحاول كسر نفس المنطقة من الزجاج السميك الفاصل بينهما فاشتعل حماسها مرة أخرى ، حاولت (كناري) بقوة أكبر تلك المره خاصة وانها رأت زوجها المستقبلي يحاول بنفس القدر تقريباً ، عادت للوراء وطارت بقوة في الزجاج فتحطم جزء كبير من منقارها وسال الدم منه على شكل نقاط حمراء على الزجاج..

فجأه انفتح الزجاج (الألوميتال) لكنها لم تجد حبيبها ، تحركت ناحية الزجاج مرة أخرى ثم وقفت أمامه وحركت احدى جناحيها للأعلى لتكتشف ان طوال هذا الوقت لم تحب سوى انعكاس صورتها هي في الزجاج .. لم تحب سوى نفسها

_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_

كريم "و نتعلم من كده يا فيروزتي الجميله اننا لازم نمسع لأهالينا اللي عندهم خبره في الدنيا أكتر مننا ، بس مش معنى كده اننا نلغي عقلنا ، احنا لازم نفكر كمان في أي مجهود هنعمله ، بنعمله ليه و بنعمله صح ولا لأ ، و توته توته خلصت الحدوته ، ياترى حلوه المره دي ولا ملتوته ؟"

فيروز" هي حلوه .. بص .. هي مش حلوه أوي الصراحه بس أحسن من قصة الناموسه و كانت عجباني بس مره واحده بقى فيها عصفوره بتتوجع و منقارها بيتكسر و دم .. انت متأكد ان دي قصة أطفال ؟! ايه رأيك نجرب المره الجايه تحكي قصص عاديه.. الشاطر الفقير اللي بيحب الأميره بنت السلطان و بيتجوزوا في الآخر و الحاجات دي... بابا.. بابا..."

**كريم بيغمض عينيه و بيعمل نفسه نايم**

#جوز_كناري

#عصفورين_كناري

#حكايات_بابا_كريم

#بقلم_كريم_صادق