السبت، 18 يوليو 2020

بدون ‏تطبيل ‏الجزء ‏الثاني ‏(قصة ‏فيلم ‏ملوش ‏علاقة ‏بالابداع ‏خالص) ‏


بدون تطبيل (الجزء الثاني)

"آدي اللي خدناه من التكنولوچيا و التقدم و القرف..لو كان حد حلفلي ان الجرايد هتبقى بالمنظر ده عمري ما كنت هصدقه"
قلتها في عقلي و أنا أنظرالى مجموعة من الأخبار على هيئة كوميكس سريعة لا يتعدى التعليق فيها على الخبر السطرين أو الثلاثة
أغلقت قطعة من الـ(چنيثيريفيا) -كما أخبرتني ابنتي اسمها وهي تعطيني اياها منذ ثلاث سنوات في عيد ميلادي الثاني و الستون- وافرغت مكان بيدي على الطاولة أمامي لأضعه عليها ثم القيت ظهري للوراء و أنا أتأمل كل شئ من حولي .
المنضدة من أمامي كإنها صفيحة قمامة مسطحة و المنزل كله يحتاج الى تنظيف ، جدران منزلي القديمة البالية لا شك انها تحتاج لدهانات لم تعد موجودة الآن بعدما اتجه الجميع لتحويل جدرانهم الى نظام اللمبات الليد الذكية التي تغير من شكلها حسب الحالة المزاجية لصاحبها ؛ بأمر صوتي فتحت شاشة هيلوجرامية سألتها عن محتويات الثلاجه لأكتشف انها شبه خالية ، وبتفقد سريع لرصيد حسابي اكتشفت انه لم يختلف كثيراً عن حال الثلاجة .. الأمر رسمي الآن ، أنا اصبحت مفلس ، ولكني سأأجل اعلان ذلك الإفلاس حتى انهاء آخر قطعة طعام صالحة للإستخدام الآدمي.
لو كان لكرشي إرادة لعاد مرة أخرى داخل أحشائي فمن المؤكد انه لم يتحمل ما وصل اليه حالي عندما خرج ليتفقده منذ بضعة سنوات ، تحسست بيدي على رأسي التي احتلها الصلع ثم على ذقني الغير مهذبة ، لا يمكن أن تسوء الأمور أكثر، ربما فات وقت الشعارات الكاذبة التي عشت عليها و أوصلتني الى هذا الحال ، و آن أوان الحصول على الأموال حتى لو تنازلت عن أهم مبادئي وهو العمل بدون تطبيل.
نظرةٌ خاطفة الى الساعة كانت كفيلة أن تجعلني أقفز رعباً من مقعدي ، فقد كان هناك برصاً كبيراً واقفاً على شاشة الساعة يمنعني من ادراك الوقت، ويمنع جهازي التنفسي من العمل بإسلوبه السليم ، عدت خطوات للوراء وأنا ارتعد رعباً ، كل من يعرفني يعلم جيداً ان هذا الكائن البغيض هو أكثر ما يرعبني في الحياة ، وقد قلت ذلك مراراً و تكراراً وقتما كان يتم استضافتي في البرامج التليفزيونية بعد حادثة اغلاق جريدة السيد (موسى) ، وها هو الآن في منزلي يمنعني حتى من أن أنتظار انتقالي للحياة الأخرى في سلام ، لجأت للإتصال بابنتي (فيروز) فقد ورثت قلم أبيها الشجاع ولكنها – ولله الحمد- لم ينتقل لها چين الرعب من الأبراص الذي احتل قلب أبيها .
مضت ما مضى من الوقت حتى وصول ابنتي ، قضيته كله و أنا أحايل جهازي البولي ألا يخونني و أنا أحملق في المحتل الخارجي الذي استباح منزلي وقرر أن يرتاح على الساعة ، ولم تستغرق ابنتي سوى ثواني قليلة لتستعمل نفس الچنيثيريفيا في ارسال ذبذبات معينه تجاه البرص الذي دار حول نفسه بسرعة شديدة قبل أن تشل حركته تماماً ويسقط ميتاً.
"هو أنا مش علمتك يا راجل يا عجوز ازاي تستعمله ؟" قالتها (فيروز) وهي تتخلص من الجثة المرعبة خارج المنزل
"انا مبعرفش في البتاع ده أي حاجه ، هو يادوبك بيقلبلي الأخبار كل يوم الصبح وان كنت هكلم حد وبس .. وبعدين فيها ايه يعني اما أكلمك تجيلي ؟ خلاص مش طايقه تشوفي أبوكي ؟"
-"أيوااا خليك كده كل ما تتزنق تحاول تركبني أنا الغلط " ثم ضحكت وهي تقول "أبداً مش هديلك الفرصه ، أنا مركزه معاك أوي المره دي"
ابتسمت وقلت "طيب يا لِمضه ..اقعدي"
-"دلوقتي انا محتاجه مساعدتك"
-"مساعدة مين بالظبط ؟ بابا الدَقه القديمه ، ولا الكاتب المعارض اللي كان عظيم بس محدش بقى بيقراله ، ولا اللي حاول يبقى مخرج وفشل و خسر فلوسه و حياته و هو بيحاول"
="تاني يا بابا ؟! انت مش أول ولا أول واحد يجري ورا حلم و ميتحققش ، عارفه و حكيتلي الف مره انك كان نفسك تبقى مخرج من أيام ما كنت لسه في الخدمه ، بس مقدرتش تواكب التكنولوچيا والاخراج بيتطور اسرع من انك تجاريه ، محصلش حاجه ؟ كان ممكن تكمل في الكتابه وانت عارف ان الناس كلها كانت تتمنى اي حاجه بقلمك ، انت من ساعة ما نشرت (المسله) مكتبتش حاجه ليه ؟ عاجباك طريقة حياتك دي ليه اوي كده ؟ ما تبص حواليك و تعرف وصلتك لإيه ؟"
الحقيقة اني أعشق طريقتها الثورية في عرض المواضيع ، انها چيناتي تجري في داخلها ، ولكنها في الأخير ابنتي ولا يمكن أن أقبل أن توبخني بتلك الطريقة "جرى ايه يا بنت ، انتي ناسيه انك بتتكلمي مع أبوكي ؟!"
-" حضرتك صح ، انت كل أفكارك صح و مش ممكن تكون غلط ابداً ، انت أعظم مفكر في الدنيا ، و المفروض الناس كلها تحاول تتعلم ازاي تعيش حياتها زيك.. هو ده بجد اللي انت عايز تسمعه ؟! اني أطبلك حتى لو شايفاك غلط ؟ ايه اللي حصل للي علمنا كلنا نعيش حياتنا (بدون تطبيل) "
-"فَلِست ، ومش بتكلم عن الفلوس بس ، بتكلم عن الأفكار ، بتكلم عن الأكل و الشرب ، انتي في بيتي ومش عارف أعزم عليكي بحاجه تشربيها علشان معنديش حاجه في التلاجه ، الكتابه مبتأكلش عيش ، و الناس بطلت تطلب أفكارمني بعد ما بقت أفكاري دايماً في الكتابه بتوديهم في داهيه ، و حتى المخرجين و المنتجين اصحابي بطلوا يطلبوا مني أكتبلهم حاجه"
أعشق نظرة الفخر و الإعتزازالتي اعتادت ان تكون في عينها عندما تتحدث معي ولكن أن تتبدل بنظرات الشفقة على حالي كان أكثر من تحملي فشردت بعيني هرباً من المواجهة قبل أن تقول لي "بابا. انا عايزاك تساعدني علشان أقدر أساعدك ، بص انا جيبالك ايه معايا"
قالتها وهي تخرج أجنده قديمة ففتحتها لأجد صفحاتها خالية من الكلمات فسألت متعجباً "ايه ده ؟! دي فاضيه !! "
"مخدتش بالك من السنه!.. متعرفش انا عانيت ازاي علشان أجيبلك الأجنده دي أصليه مش عاملاها جديد بسنه قديمه..دي معموله في سنتها في 2019 السنه اللي خلصت فيها أول كتاب ليك"
="أحمد و حماده و أبوحميد .. كنتي لسه مفعوصه عندك سنتين قبل ما تبقي طولي و تناطحيني كلمه بكلمه يا لمضه"
"ممكن نعمل زي ما علمتني زمان لما كنت لسه بتحببني في الكتابه ؟! جمله و جمله"
كتمت دمعه من عيني و أنا أرى ابنتي تمد يدها لي بشكل غير مباشر لتنتشلني من الضياع الذي وصلت اليه فسكت لثواني قبل أن أبتسم لها ببطء و أقول "جمله و جمله"
أخرجت (فيروز) قلماً من نوعي المفضل في الأقلام و أعطته لي وهي تقول "ابدأ انت الأول"
أصعب ما في الكتابة دائماً هو الجملة الأولى..الجملة الافتتاحية..خاصة بعدما غطى التراب عقلي و اصبحت أفكاره بالية و قديمة ، لكن أجمل ما في تلك اللعبة التي اعتدت لعبها مع ابنتي اني غير مضطر لأن أرتب الأفكار في البدايات ، فقط يكفي أن أفكر في جملة ، جملة واحدة فقط ..
فتحت قلمي و كتبت بيد مرتعشة ( بخطوات سريعة تركت آثارها على رمال الشاطئ جرت الفتاة تجاه البحر)
قرأت ابنتي ما كتبته ثم قالت "طب ايه ؟! بتجري لحبيبها على الشط ؟ ولا بتجري هتنتحر في البحر؟ ولا علشان تلحق حد تاني هينتحر ؟ "
ضحكت و أنا أقول لها "العبي بقواعد اللعبه ولا انتي بقيتي عجوزه و نسيتي بتتلعب ازاي ؟ لازم انتي اللي تفكري و انتي اللي توجهي القصه"
-"بقى كده ؟! طب ايه رأيك بقى اني هرمي الكره في ملعبك تاني" ثم أمسكت بالقلم و كتبت (تتصارع الأفكار في رأسها تفكر في كل ما حدث لها في الآونة الأخيرة) ..
تبادنا الضحكات و تبادنا الجمل حتى أنهينا جزءً لا بأس به من قصة شبه متماسكة تنقصها بعض اللمسات الأخيره أمسكت بها (فيروز) وقالت "دي بقى قصتي علشان انا صاحبة فكرة اللعبه المره دي ، بس القلم ده هديه علشان تكتب قصتك ، انزل الشارع ، مفيش أفكار هتجيلك طول ما انت حابس نفسك هنا "
قالتها دون أن تعطيني فرصه حقيقية للرد ثم قالت فجأه وهي تنظر الى الحائط "برص تاني اهه عند باب البيت ، ما تجرب تموته انت يا بابا"
قفزت مرتعداً مره أخرى و أنا أنظر في رعب حتى أدركت من ضحكاتها انها تمزح معي مزاحاً سخيفاً اعتذرت لي عنه قبل أن اتركها و أغادر المكان.
***
نزلت الى الشارع للمره الأولى منذ مدة طويله ، ركبت سيارتي الحديثة بعدما صممت الحكومة على تخريد سيارتي الكلاسيكية واستبدالها بسيارة حديثة أكثر أماناً للمارة وللسائقين وبمجرد أن وصلت الچنيثيريفيا به انطلق صوت كمبيوتر السيارة قائلاً...
"أهلاً بك في نظام الملاحة من فضلك اعلن عن وجهتك المطلوبة"
لا أعلم من أين أبدأ ولا اين أذهب ، حاولت التفكير ولكن كلما اقتربت ملامح فكرة في الظهور قطعها صوت الكمبيوتر المستفز .
"من فضلك اعلن عن وجهتك المطلوبة"
تذكرت قصتي البطولية القديمة التي ساهمت في اغلاق جريدة (بدون تطبيل) منذ أكثر من عشرون عاماً فأعطيت أمري الصوتي للسيارة "125 شارع الحريه"
وصلت وجهتي و نظرت الى الدور الثاني فوجدت لافتة باسم (مكتب حازم العسكري للمحاماه) ، ربما أستطيع أن أتخيل قصة جيدة حدثت لهذا الشخص الذي لا تجمعني به صله و أربطها بشرائه لمقر جريده مغلقاً و تحويله الى مقر عمله بالمحاماه . لكن الأفكار تجمدت في رأسي عندما انطلق صوت من الچنيثيريفيا (اتصال من ثروت) فأشرت باصبعي لقبول المكالمة
"ثروت ..ازيك ؟ عاش من سمع صوتك"
-"انا موجود وبسأل على طول ، انت اللي مختفي و قافل على نفسك "
="طب ايه رأيك اني في الشارع دلوقتي "
-"لأ مش معقول بتعمل ايه ؟"
="عايز أفكار علشان أكتب قصة جديدة"
-"حلو أوي . وانا شاري ..أنا اصلاً قاعد مع المخرج (نظام شديد) دلوقتي و كنا بنتفق ان احنا عايزين نعمل شغل مع بعض بس واقفين على القصه.
رغم فشلي الذريع في تجارب الإخراج السينمائي الا ان أفكاري أقوى بكثير من كل ما يقدمه رفيقه الآن ولكن عجزي عن ملئ ثلاجتي الخاوية جعلني أدرك اني بحاجه لقبول هذا العرض
"انت معايا ولا المكالمة مش شغاله"
"ايوه معاك ، بص ..اعمل كونيكت من عندك على جي بي اس العربية ووجهها على مكانك ، أنا هكون عندك في اسرع وقت ، عندي كام فكره كده ممكن تنفع نشتغل عليها".
***
وصلت للمكان المنشود أخيراً بحديقة ڨيلا (نظام شديد) الذي كان يجلس على رأس منضدة كبيرة لا تتناسب مع المكان بينما بالقرب من جانبه الأيمن يجلس (ثروت الشحات) ، ما لفت انتباهي هو وجود مقعد واحد فقط خالي في آخر المنضدة ، تبادلنا التحيات ثم هممت بحمل المقعد لتقريبه منهما الا ان ثروت قال "متقربش أوي يا كريم ، نظام بيحب يشوف الناس من بعيد خصوصاً في الأول علشان مبيشوفش كويس من قريب "
رديت بتلقائية "مخرج ومبيشوفش كويس" ففوجئت بكلاهما وقد جحظت عيناهما حتى شعرت باني اسأت إختيار كلماتي ، ربما كنت غليظ اللسان أكثر من اللازم فتداركت الموقف قائلاً "ومع ذلك بقى أحسن مخرج في البلد في وقت هايل" ..
ظهرت الإبتسامة على وجه المخرج الذي نادراً ما رأيته يبتسم حتى في صوره على الإنترنت ، وقال " للأسف زي ما انت قلت انا فعلاً نظري مبيشوفش اي حاجه من قريب ، فطبعاً ده مخلي عيني متستحملش القرايه فبالتالي مقريتلكش اي حاجه خالص من مده كبيره "
أدركت تلميحه ورغم تعمده رد الإهانه في وقتها الا اني أعجبت بسرعة بديهته فلم أرد اهانته حتى قال "بس طبعاً ثروت قالي ان انت أحسن واحد ممكن تدينا أفكار نشتغل عليها سينما "
أطلت سكوتي حتى تكلم ثروت " وانا عن نفسي مش هبخل عليكم بحاجه من جنيه لمليون"
التفت بسرعه لثروت و أنا أقول "مليون ايه ؟! هو المليون ده رقم دلوقتي ؟! ده انتوا عايزين تعملوا فيلم أبيض و اسود بقى"
هنا تدخل (نظام) " سيب إدارة الفيلم و اخراجه عليا انا و طريقة انتاجه على ثروت ، احنا فاهمين ازاي نمشي الأمور دي كويس ، المهم انت ، عندك قصه حلوه لينا"
تذكرت ما كتبته مع (فيروز) ولكني وجدت في ذلك سرقة لمجهودها معي فقررت أن أترك لخيالي العنان لدقيقة ثم قلت "ايه رأيكم نشتغل على قصة واحد فقير ، أبوه و أمه ماته علشان مقدرش يوفرلهم تمن العلاج فهيشتغل في السرقة من الأغنيا في الأول بعدين هيبقى رمز لثورة الجياع وده هيخليــ"
"جرى ايه يا كريم ؟" قالها ثروت بعصبية ثم أضاف "ملكش دعوه بالفقرا و الأغنيا ، احنا مش ناقصين مشاكل طبقيه في البلد.
يمكنني أن أتفهم الأسباب التي تجعل شخص يملك أموالاً تكفيه هو و أربعة أجيال أخرى من سلالته أن يكره تلك القصة فقلت "خلاص هدي اعصابك يا ثروت و أنا هفكر في حاجه جديده" عدت للتفكير لدقيقة قبل أن أقول "طب اسمعوا.. واحد هاكر متمكن جداً قدر يتلاعب بالأجهزة الأمنية للحكومه لحساب شبكة تجسس كانت عايـ.."
صاح (نظام) مقاطعاً "انت عايز تقول ان احنا نظامنا الأمني ضعيف ولا ايه ؟ ايه التخريف ده؟! " ثم نظر لـ(ثروت) وهو يقول "جرى ايه ثروت هو ده اللي هيعملنا الفيلم اللي احنا عايزينه ده فاكر نفسه نجيب محفوظ و بيتكلم مره في ثروه ومره في اختراق حكومات".
عادةً كان يكفي أقل من نصف هذا الكلام ليجعلني أنسحب بهدوء ولكني كلما اقتربت من هذا القرار تذكرت رصيد أموالي الحالي فسكت تماماً حتى انتهى كلاهما من نقاش طويل لم أسمع منه كلمة واحدة ثم قلت "ما هو بصراحه بقى كده انا متوتر ومش عارف افكر في حاجه طول ما انا قاعد بعيد كده " ثم أمسكت بمقعدي و حركته على يسار المخرج وقلت وأنا أجلس عليه "اهه كده بقى أقدر أكون معاكوا في نفس التفكير ، قولولي انتوا عايزين ايه و أنا عليا اظبطلكوا القصه على كده"
ابتسم (نظام) للمره الثانية ، لم تشعرني ابتسامته بالطمأنينة ولكني ابتسمت لأشعره بذلك فربت على كتفي حتى تذكرت الأيام التي لم أعتاد فيها شكلي بدون الرتب العسكرية ، فزادت ابتسامتي مما دفعه ليتكلم معي بحريه أكثر.
"بص بقى.. انا عايز قصة واحده ست الدنيا جت عليها فاشتغلت رقاصه مثلا علشان تجري على عيالها او اخواتها "
كدت أجن من كلماته وعن قصته التي تم عمل مئات أفلام المقاولات منها ولكن ما باليد حيله ، فمظهر بيتي و رصيد أموالي لا يسمحوا بأي نقاش قد ينتهي بعدم الإتفاق
"هعملكوا اللي انتوا عايزينه"
"اهه كده الكلام يا أديب يا كبير ، مش تقولي ثورات وبتاع ، احنا عايزين حاجه تخفف عن الناس مش تزود همومهم " قالها (نظام) ثم قال لـ(ثروت) "كده بقى مش ناقص غير اننا نختار وجه جديد ، واحده بلوندايه وياسلام لو أجنبيه اصلاً و ترضى تعمل دور رقاصه جايه.."
قاطعه ثروت بسرعه " لأ أجنبيه ايه بس انا عايز حاجه متكلفناش كتير ، انا عايز مصلحتي برضه من الفيلم ده"
"عندي اللي تعمل الدور ده " قلتها فنظر لي كلاهما مشككاً في كلامي فقلت "هكلمها و هتجيلك و هتعمل أوديشن ، ولو معجبتكش متاخدهاش"
ارتاح كلاهما لكلماتي و استلمت مبلغاً من ثروت تحت الحساب و ركبت سيارتي استعداداً لشراء بعض المستلزمات قبل العوده لمنزلي
***
"أكلم رشا باربي" قلت الأمر الصوتي للچنيثيريفيا وما هي الا ثواني حتى خرجت صورتها الهيلوجرامية منه.
-"الو"
="اهلاً بار..احم .. اهلاً رشا عامله ايه؟"
-"انت ؟! حسبي الله و نعم الوكيل مكفكش اللي عملته فيا من ييجي عشرين سنه وجي تكلمني عادي كده دلوقتي"
="وربنا كرمك و اشتغلتي مذيعه فتره كويسه بعدها بسنتين تلاته .. انتي اللي مبتثبتيش في حته واحده يا رشا كل كام يوم في حته شكل ، أعملك ايه يعني ؟!"
-"يا بجاحتك..اللي يشوف ثقتك اللي كنت بتكلمني بيها زمان لما قلتلي لو أي مشكله حصلتلك في الشغل أوعدك اني هعوضك يقول ايه وزير بيتكلم و اختفيت من ساعتها محدش سمع صوتك اللهم الا الكام مره لما باركتلي مره على موضوع المذيعه اللي مكنش ليك يد فيه أصـ.."
قاطعتها "وقلتيلي انك نفسك تشغلي سينما و أنا جايبلك الفرصه لحد عندك اهه"
هدأت في لحظه بتحول مخيف وقالت "بجد يا مستر كريم ، فرصة ايه دي ؟"
= "في ثانيه كده رجعت مستر ؟! طب و العشرين سنه و الـ(حسبنه) عليا و الكلام ده كله راح فين؟!"
-"بس من جوايا والله عارفه انك عمرك ما تتخلى عني انا يا أعظم أديب في الدنيا"
="يا بت انتي بتطبلي غلط ، مش انا اللي هتطبليله .. احنا بنجهز فيلم من اخراج (نظام شديد) و هينتجه (ثروت الشحات) وأنا رشحتك في دور رقاصه"
-"انت بتتريق عليا ولا ايه ما تبصلي كويس انا سني واحد وخمسين سنه .. رقاصة ايه اللي هعملها في السن ده"
=" بس لسه بطل زي ما انتي ، يا بت ده انتي شكلك متغيرش من يوم ما غمزتيلي في الجورنان زمان ..يوم اون ذا رن ..فاكره ؟"
لم تبتسم حتى رغم محاولتي الرخيصة وقالت "حسب معلوماتي انك فشلت في الاخراج ، يعني مستر (نظام) هو اللي هيوافق عليا او هيرفضني ، يا ترى بقى هو شايفني زيك كده ؟"
-"نظام مبيشوفش اصلاً ، انتي بس المطلوب منك انك تطبليله ، انت أعظم مخرج و بحب أفلامك كلها و اعتبري الدور بتاعك ،يعني من الآخر كده انتي تطبليله وهو هيرقصك ، معرفتيش تطبليله صح أحلامك كلها هتضيع وتروح في خبر كان ، وانا عن نفسي هقيفلك الورق على مقاسك ..اقفلي دلوقتي و هبعتلك التفاصيل كلها لما ارجع البيت"
اشتريت بعض المستلزمات وعدت للسيارة وعاد صوت الكمبيوتر المستفز
"أهلاً بك في نظام الملاحة من فضلك اعلن عن وجهتك المطلوبة"
رديت بثقه "شغل نظام التحكم اليدوي ، أنا عارف انا رايح فين"
عدت لمنزلي لأجد فيروزتي فيه يبدو عليها الشقاء نتيجة مجهود بدني رهيب بذلته في ترتيب الشقة وتنظيفها لتعود الى ما كانت عليه فشكرتها و طلبت منها انتظاري حتى أدخل الحمام.
دخلت الحمام ، هذبت ذقني ثم استحممت وانا أشعر براحة نفسية لم أشعر بها منذ مدة طويلة ثم ولسبب ما قررت أن ارتدي واحده من البدل الجديدة التي اشتريتها اليوم وخرجت لابنتي
"اش اش ايه الجمال ده كله يا سي بابا ، امال فين الراجل العجوز بتاع الصبح ، واضح ان المقابله مشيت تمام على الآخر"
="وانتي عرفتي منين اني كان عندي مقابله ؟!"
ظهرت ملامح الصدمة على وجهها قبل أن ترتمي في أحضاني وتقول "بصراحه يا بابا أنا مستحملتش أشوفك كده ، أول ما نزلت أنا اللي كلمت أنكل ثروت وحكيتله على وضعك اللي وصلتله وهو قالي انه هيتصرف"
="بتشحتي على ابوكي يا فيروز؟! عامةً مش فارقه كتير انا كده كده ضربت مبادئ كتير اوي في حياتي النهارده ، وانتي برضه كتر خيرك كنتي بتدوري على الصالح لابوكي . بسبب مكالمتك دي انا هلاقي فلوس تعيشني فعلاً ، بس برضه اسم كريم صادق هيتحط على فيلم هابط بتاع رقصتين و أغنيتين و اقلب ، انتي مبسوطه كده ؟"
-"أنكل ثروت مفهمنيش كده ، انا افتكرت يعني انه هيساعدك ترجع تكتب تاني وينتجلك هو مجموعة كتب او حاجه بس انه يعمل فيلم ممكن يأثر على اسمك ويخليك تفشل ده مخطرش في بالي ابداً"
="مش هفشل" قلتها بثقه ثم هممت أن أوضح وأنا اقف في أداء استعراضي مسرحي ولكن أثناء وقوفي لمحت برصاً كبيراً على الأرض بجانب باب الشقة فأمسكت بحذائي و انهلت عليه ضرباً حتى لفظ نفسه الأخير و هو مهشم الجثة على كعب حذائي بينما نظرت لي في تعجب دون أن تنطق حتى قلت لها "مش هفشل يا فيروز علشان انا جبتلهم رشا ، وصاحبت ثروت و قربت من نظام" عندي كل مقومات النجاح المطلوبه في البلد دي"
#بدون_تطبيل
#ثروت_و_نظام_ايد_واحده
#البرص_مات 😪
#بقلم_كريم_صادق

التسميات: